محمد سيف الدولة – أطلس للدراسات الإسرائيلية
أهدى الوثيقة التالية للشعب السوداني وقواه الوطنية والثورية الذين أدانوا اجتماع عبد الفتاح
البرهان رئيس المجلس السيادي السوداني مع نتنياهو وأعلنوا رفضهم القاطع للتطبيع مع إسرائيل.
في شهر سبتمبر من عام 2008 ،ألقى آفي ديختر، وزير الأمن الداخلي الصهيوني الأسبق، محاضرة
في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، عن الاستراتيجية الإسرائيلية في المنطقة، تناول فيها
سبع ساحات هي فلسطين ولبنان وسوريا والعراق وإيران ومصر والسودان. نشرتها الصحف العبرية.
وفى الجزء الخاص بالسودان، كانت أهم المحاور كما يلي:
إن اضعاف الدول العربية الرئيسية بشكل عام، واستنزاف طاقاتها وقدرتها هو واجب وضرورة من
اجل تعظيم قوة إسرائيل واعلاء منعتها في مواجهة الأعداء، وهو ما يحتم عليها استخدام الحديد
والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب الخفية تارة اخرى والسودان بموارده ومساحته الشاسعة، كان من الممكن ان يصبح دولة اقليمية قوية منافسة لدول مثل مصر والعراق والسعودية.
كما انه يشكل عمقا استراتيجيا لمصر، وهو ما تجسد بعد حرب 1967 عندما تحول إلى قواعد
تدريب وايواء لسلاح الجو المصري وللقوات الليبية، كما انه أرسل قوات مساندة لمصر في حرب
الاستنزاف عام 1968.
وعليه فانه لا يجب ان يسمح لهذا البلد ان يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي.ولا ّبد من العمل على اضعافه وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة فسودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان قوى وموحد وفاعل.
وهو ما يمثل من المنظور الاستراتيجي ضرورة من ضرورات الأمن القومي الإسرائيلي.ولقد تبنى كل الزعماء الصهاينة من بن غوريون وليفي أشكول وجولدا مائير واسحاق رابين
ومناحيم بيجين وشامير وشارون واولمرت خطا استراتيجيا واحدا في التعامل مع السودان هو:
العمل على تفجير أزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب ثم دارفور.
وانه حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل لتكرار ما فعلته إسرائيل في
جنوب السودان.
وان النشاط الصهيوني في دارفور لم يعد قاصرا على الجانب الرسمي، بل يسانده في ذلك، كل
المجتمع الإسرائيلي بمنظماته وقواه وحركاته وامتداداته في الخارج.
وان الدور الأمريكي في دارفور يسهم بشكل فعال في تفعيل الدور الإسرائيلي.
وأمريكا مصرة على التدخل المكثف في السودان لصالح انفصال الجنوب وانفصال دارفور على غرار
ما حدث في كوسوفو.
وان إسرائيل نجحت بالفعل في تغيير مجرى الاوضاع في السودان، في اتجاه التأزم والتدهور
والانقسام، وهو ما سينتهي عاجلا ام آجلا إلى تقسيمه إلى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا.
وبذلك لم يعد السودان دولة إقليمية كبرى قادرة على دعم الدول العربية المواجهة لإسرائيل.
وقبل ان نعرض نص المحاضرة، نراجع معا ما جاء في وثيقة صهيونية اخرى حول نفس الموضوع،
نشرتها مجلة “كيفونيم” لسان حال المنظمة الصهيونية العالمية عام 1982تحت عنوان “استراتيجية
إسرائيل في الثمانينات”، ونشرناها نحن بعنوان: “الوثيقة الصهيونية لتفتيت الامة العربية”، حيث جاء
فيها ما يلي:
ان مصر المفككة والمقسمة إلى عناصر سيادية متعددة، على عكس ما هي عليه الآن، سوف لا
تشكل أّي تهديد لإسرائيل، بل ستكون ضمانا للزمن والسلام لفترة طويلة، وهذا الأمر هو اليوم في
متناول ايدينا.
ان دول مثل ليبيا والسودان والدول الابعد منها سوف لا يكون لها وجود بصورتها الحالية، بل
ستنضم إلى حالة التفكك والسقوط التي ستتعرض لها مصر. فاذا ما تفككت مصر فستتفكك سائر
الدول الأخرى، ان فكرة انشاء دولة قبطية مسيحية في مصر العليا إلى جانب عدد من الدويلات
الضعيفة التي تتمتع بالسيادة الاقليمية في مصر ـ بعكس السلطة والسيادة المركزية الموجودة
اليوم ـ هي وسيلتنا لإحداث هذا التطور التاريخي. ان تفتيت لبنان إلى خمس مقاطعات اقليمية
يجب أن يكون سابقة لكل العالم العربي، بما في ذلك مصر وسوريا والعراق وشبه الجزيرة العربية.
والسودان أكثر دول العالم العربي الإسلامي تفككا فإنها تتكون من أربع مجموعات سكانية كل
منها غريبة عن الأخرى، فمن أقلية عربية مسلمة سنية تسيطر على أغلبية غير عربية افريقية إلى
وثنيين إلى مسيحيين.
نص المحاضرة
يتساءل البعض في إسرائيل: لماذا نهتم بالسودان ونعطيه هذا القدر من الأهمية؟ ولماذا التدخل
في شئونه الداخلية في الجنوب سابقا وفى الغرب دارفور حاليا طالما أن السودان لا يجاورنا
جغرافيا، وطالما أن مشاركته في إسرائيل معدومة أو هامشية وارتباطه بقضية فلسطين حتى
نهاية الثمانينات ارتباطا واهيا وهشا؟
وحتى لا نطيل في الإجابة يتعين أن نسجل هنا عدة نقاط محورية تكفي لتقديم إجابات على هذه
التساؤلات التي تطرح من قبل ساسة وإعلاميين سواء في وسائل الإعلام وأحيانا في الكنيست:
1 (إسرائيل حين بلورت محددات سياستها واستراتيجيتها حيال العالم العربي انطلقت من عملية
استجلاء واستشراف للمستقبل وأبعاده وتقييمات تتجاوز المدى الحالي أو المنظور.
2 (السودان بموارده ومساحته الشاسعة وعدد سكانه كان من الممكن أن يصبح دولة إقليمية
قوية منافسة لدول عربية رئيسة مثل مصر والعراق والسعودية. لكن السودان ونتيجة لأزمات
داخلية بنيويه، صراعات وحروب أهلية في الجنوب استغرقت ثلاثة عقود ثم الصراع الحالي في
دارفور ناهيك عن الصراعات حتى داخل المركز الخرطوم تحولت إلى أزمات مزمنة. هذه الأزمات
فوتت الفرصة على تحوله إلى قوة إقليمية مؤثرة تؤثر في البنية الأفريقية والعربية.
كانت هناك تقديرات إسرائيلية حتى مع بداية استقلال السودان في منتصف عقد الخمسينات أنه لا
يجب أن يسمح لهذا البلد رغم بعده عنا أن يصبح قوة مضافة إلى قوة العالم العربي لأن موارده إن
استمرت في ظل أوضاع مستقرة ستجعل منه قوة يحسب لها ألف حساب. وفى ضوء هذه
التقديرات كان على إسرائيل أو الجهات ذات العلاقة أو الاختصاص أن تتجه إلى هذه الساحة وتعمل
على مفاقمة الأزمات وإنتاج أزمات جديدة حتى يكون حاصل هذه الأزمات معضلة يصعب معالجتها
فيما بعد.
3 (كون السودان يشكل عمق استراتيجي لمصر، هذا المعطى تجسد بعد حرب الأيام الستة 1967
عندما تحول السودان إلى قواعد تدريب وإيواء لسلاح الجو المصري وللقوات البرية هو وليبيا.
ويتعين أيضا أن نذكر بأن السودان أرسل قوات إلى منطقة القناة أثناء حرب الاستنزاف التي شنتها
مصر منذ عام 1968 ـ 1970.
كان لابد أن نعمل على إضعاف السودان وانتزاع المبادرة منه لبناء دولة قوية موحدة رغم أنها تعد
بالتعددية الإثنية والطائفية ـ لان هذا من المنظور الاستراتيجي الإسرائيلي ضرورة من ضرورات دعم
وتعظيم الأمن القومي الإسرائيلي.
وقد عبرت عن هذا المنظور رئيسة الوزراء الراحلة (جولدا مائير) عندما كانت تتولى وزارة الخارجية
وكذلك ملف إفريقيا في عام 1967 عندما قالت: “إن إضعاف الدول العربية الرئيسية واستنزاف
طاقاتها وقدراتها واجب وضرورة من أجل تعظيم قوتنا وإعلاء عناصر المنعة لدينا في إطار
المواجهة مع أعداءنا. وهذا يحتم علينا استخدام الحديد والنار تارة والدبلوماسية ووسائل الحرب
الخفية تارة أخرى”.
وكشفت عن أن إسرائيل وعلى خلفية بعدها الجغرافي عن العراق والسودان مضطرة لاستخدام
وسائل أخرى لتقويض أوضاعهما من الداخل لوجود الفجوات والتغيرات في البنية الاجتماعية
والسكانية فيهما.
(وراح ديختر يورد المعطيات عن وقائع الدور الإسرائيلي في إشعال الصراع في جنوب السودان
انطلاقا من مرتكزات قد أقيمت في أثيوبيا وفى أوغندا وكينيا والزائير سابقا الكونغو الديموقراطية
حاليا)
وقال ان جميع رؤساء الحكومات في إسرائيل من بن غوريون وليفي أشكول وجولدا مائير واسحاق
رابين ومناحيم بيجين ثم شامير وشارون وأولمرت تبنوا الخط الاستراتيجي في التعاطي مع السودان
الذي يرتكز (على تفجير بؤرة وأزمات مزمنة ومستعصية في الجنوب وفى أعقاب ذلك في دارفور).
هذا الخط الاستراتيجي كانت له نتائج ولاتزال أعاقت وأحبطت الجهود لإقامة دولة سودانية
متجانسة قوية عسكريا واقتصاديا قادرة على تبوأ موقع صدارة في البيئتين العربية والافريقية.
في البؤرة الجديدة في دارفور تداخلنا في إنتاجها وتصعيدها، كان ذلك حتميا وضروريا حتى لا يجد
السودان المناخ والوقت لتركز جهودها باتجاه تعظيم قدراته. ما أقدمنا عليه من جهود على مدى
ثلاثة عقود يجب ألا يتوقف لأن تلك الجهود هي بمثابة مداخلات ومقدمات التي أرست منطلقاتنا.
الاستراتيجية التي تضع نصب اعينها أن سودان ضعيف ومجزأ وهش أفضل من سودان قوى
وموحد وفاعل.
نحن بالإضافة إلى ذلك نضع في اعتبارنا وفى صميم اهتمامنا حق سكان الجنوب في السودان في
تقرير المصير والانعتاق من السيطرة. من واجبنا الأدبي والأخلاقي أن ندعم تطلعات وطموحات
سكان الجنوب ودارفور. حركتنا في دارفور لم تعد قاصرة على الجانب الرسمي وعلى نشاط أجهزة
معينة. المجتمع الإسرائيلي بمنظماته المدنية وقواه وحركاته وامتداداتها في الخارج تقوم بواجبها
لصالح سكان دارفور.
الموقف الذي أعبر عنه بصفتي وزيرا إزاء ما يدور في دارفور من فظائع وعمليات إبادة ومذابح
جماعية هو موقف شخصي وشعبي ورسمي.
من هنا نحن متواجدين في دارفور لوقف الفظائع وفى ذات الوقت لتأكيد خطنا الإستراتيجي من
أن دارفور كجنوب السودان من حقه أن يتمتع بالاستقلال وإدارة شؤونه بنفسه ووضع حد لنظام
السيطرة المفروض عنوة من قبل حكومة الخرطوم.
لحسن الطالع أن العالم يتفق معنا من أنه لابد من التدخل في دارفور سياسيا واجتماعيا وعسكريا.
الدور الأمريكي في دارفور دور مؤثر وفعال ومن الطبيعي أن يسهم أيضا في تفعيل الدور
الإسرائيلي ويسانده كنا سنواجه مصاعب في الوصول إلى دارفور لنمارس دورنا المتعدد الأوجه
بمفردنا وبمنأى عن الدعم الأمريكي والأوروبي.
صانعوا القرار في البلاد كانوا من أوائل المبادرين إلى وضع خطة للتدخل الإسرائيلي في دارفور
2003 والفضل يعود إلى رئيس الوزراء السابق أريئيل شارون. أثبتت النظرة الثاقبة لشارون
والمستمدة من فهمه لمعطيات الوضع السوداني خصوصا والوضع في غرب أفريقيا صوابيتها.
هذه النظرة وجدت تعبيرا لها في كلمة قاطعة ألقاها رئيس الوزراء السابق خلال اجتماع الحكومة
في عام 2003) حان الوقت للتدخل في غرب السودان وبنفس الآلية والوسائل وبنفس أهداف
تدخلنا في جنوب السودان).
لابد من التفكير مرة أخرى بأن قدر هام وكبير من أهدافنا في السودان قد تحقق على الأقل في
الجنوب وهذه الأهداف تكتسب الآن فرص التحقيق في غرب السودان في دارفور.
وعندما سئل ديختر ما هي نظرته إلى مستقبل السودان على خلفية أزماته المستعصية في الجنوب
وفى الغرب والاضطراب السياسي وعدم الاستقرار في الشمال وفى مركز القرار الخرطوم؟ هذا
السؤال طرحه نائب وزير الدفاع السابق جنرال الاحتياط افرايم سنيه. رد ديختر على هذا السؤال:
(هناك قوى دولية تتزعمها الولايات المتحدة مصرة على التدخل المكثف في السودان لصالح
خيارات تتعلق بضرورة أن يستقل جنوب السودان وكذلك إقليم دارفور على غرار استقلال إقليم
كوسوفو. لا يختلف الوضع في جنوب السودان وفى دارفور عن وضع كوسوفو. سكان هذين
الإقليمين يريدون الاستقلال وحق تقرير المصير قاتلوا الحكومة المركزية من أجل ذلك.
أريد أن أنهى تناولي للمحور السوداني في هذه المحاضرة بالتأكيد على أن استراتيجيتنا التي ترجمت
على الأرض في جنوب السودان سابقا وفى غربه حاليا استطاعت أن تغير مجرى الأوضاع في
السودان نحو التأزم والتدهور والانقسام. أصبح يتعذر الآن الحديث عن تحول السودان إلى دولة
إقليمية كبرى وقوة داعمة للدول العربية التي نطلق عليها دول المواجهة مع إسرائيل. السودان
في ظل أوضاعه المتردية والصراعات المحتدمة في جنوبه وغربه وحتى في شرقه غير قادر على
التأثير بعمق في بيئته العربية والأفريقية لأنه متورط ومشتبك في صراعات ستنتهي إن عاجلا أو
آجلا بتقسيمه إلى عدة كيانات ودول مثل يوغوسلافيا التي انقسمت إلى عدة دول البوسنة
والهرسك وكرواتيا وكوسوفو ومقدونيا وصربيا ويبقى السؤال عالقا متى؟
السودان في الوثائق الصھیونیة
بالنسبة لجنوب السودان: الدلائل كلها تؤكد أن جنوب السودان في طريقه إلى الانفصال لأن هذا
هو خياره الوحيد. هو بحاجة إلى كسب الوقت لإقامة مرتكزات دولة الجنوب. وقد يتحقق ذلك قبل
موعد إجراء الاستفتاء عام 2011 إلا إذا طرأت تغيرات داخلية واقليمية إما أن تسهم في تسريع
تحقق هذا الخيار أو في تأخيره.