هل زار رئيس الموساد السعودية !؟ و ما قصة تصفية الإيراني فخري زادة !؟

0 358

تصفية فخري زادة: عقيدة داغان ومخاطر العملية

كتب : أليكس فيشمان

ترجمة : أطلس للدراسات الإسرائيلية

ألغى السعوديون الأسبوع الماضي بشكل مفاجيء زيارة كان مخططا لها لمحفل امني إسرائيلي كبير الى بلادهم. وحسب مصادر سياسية في القدس، من غير المستبعد ان يكون هذا رئيس الموساد يوسي كوهن، المحور المركزي في العلاقات بين الدولتين، ما جعل الغاء الدعوة حدثا هاما جدا.

حصل هذا بعد بضعة ايام من تباهي إسرائيل بزيارة رئيس الوزراء نتنياهو مع ولي العهد السعودي على الاراضي السعودية، وقبل تصفية عالم النووي الإيراني محسن فخري زادة في 27 تشرين الثاني. وبتقدير تلك المصادر السياسية، جاء الغاء الدعوة ليعبر عن عدم رضى سعودي من السلوك الإسرائيلي. مشكوك جدا أن يكون السعوديون عرفوا شيئا عن التصفية المخطط لها. معقول اكثر الافتراض انهم غضبوا من انعدام سرية نتنياهو ومحيطه. فنشر أمر اللقاء لم يكن بالتشاور معهم والزم وزير الخارجية السعودية بالخروج في نفي جارف لمجرد وجوده.

هذه ليست المرة الاولى. في السنوات الاخيرة يحطم نتنياهو بالتدريج سياسة الغموض، التي خدمت إسرائيل سنوات عديدة جدا في علاقاتها الخارجية السرية وفي ادارة شؤونها الامنية الحساسة للغاية. وقد بات هذا رد فعل شرطي: نصل الى انجاز كل قوته في سريته – ونجعله اداة سياسية داخلية هدفها تعظيم رئيس الوزراء. فالتسريب عن زيارة نتنياهو الى مدينة نيوم في السعودية قد لا يكلف حياة الانسان. ولكن تلميحاته بانه كان منشغلا جدا في الايام التي صفي فيها أبو البرنامج النووي الإيراني قد يكون لها ثمن، بحياة الانسان ايضا.

جيب وأربع دراجات

من صفى فخري زادة بذل جهدا كبيرا جدا في طمس الاثار. يبدو أنه تعلم جيدا دروس تصفية كبير حماس محمود المبحوح في دبي، قبل 11 سنة. فلا توجد شهادات مصورة من حملة تصفية العالم الإيراني الذي كان في طريقه لزيارة اقاربه في مدينة ابساد. وبقدر ما هو معروف، فان الإيرانيين لا يزالون يتحسسون طريقهم في الظلام، ولكن توجد لهم مصلحة في نشر رواية معينة تسمح لهم بتبرير الفشل في نظر جمهورهم. ومن هنا أيضا القصص الرائعة عن التصفية عن بعد وما شابه. وبالتوازي يحررون “معلومات” كي ينتزعوا رد فعل ما يسهل عليهم حل لغز الحدث. فالنشر غير الرسمي لصور أربعة من المغتالين، زعما، هو محاولة جس نبض اخرى تستهدف استفزاز احد ما بارتكاب خطأ والرد وبالتالي كشف نفسه.

للجهة التي قامت بالاغتيال بالمقابل، توجد مصلحة في نشر رواية تساعد على طمس آثار المصفين، تسمح لهم بالاختفاء وتزيد التخوف الإيراني من التغلغل العميق في اجهزة الحراسة لديهم.

الرواية المقبولة اليوم في “نيويورك تايمز” ووسائل اعلام مصداقة اخرى، تتحدث عن انقطاع الكهرباء لنصف ساعة في المنطقة التي تمت فيها التصفية مما منع على ما يبدو تفعيل كاميرات الحراسة المنصوبة في المنطقة. والنقطة التي اختيرت توجد قريبا من ميدان حركة السير، حيث يتعين على سيارات القافلة الثلاثة للعالم ابطاء سرعتها. يوجد وصف لجيب نيسان ازرق عمل كسيارة مفخخة وانفجر بالتشغيل عن بعد امام سيارة الحراسة التي سارت في نهاية القافلة. وبالتوازي مع الانفجار هوجمت سيارة الحراسة التي سافرت على رأس الطابور بنار من سلاح اوتوماتيكي، بينما قام قناصة برش السيارة الوسطى حيث كان فخري زادة. وانصرف المغتالون من هناك في أربع دراجات وجيب من طراز هونداي سنتفيه.

وعثر على فخري زادة نفسه مستلقٍ خارج سيارته بعد أن اصيب بثلاث رصاصات على الاقل. إما ان يكون خرج وحده بعد أن اصيب أو ان المغتالين نفذوا فيه تأكيد قتل. مهما يكن من امر لم ينجو أي شاهد عيان إيراني في الحدث.

لا حاجة للمرء أن يكون خبيرا كي يستنتج بان يكون شارك في مثل هذه العملية بضع عشرات الاشخاص الذين يتواجدون في الميدان، حيث يشكل معظمهم بنية تحتية عملياتية على ارض إيران. وخلية التصفية التي تصل الى إيران تستوعب وتستعين بالبنية التحتية التي اعدت لها: شقق للاختباء، معلومات استخبارية في الزمن الحقيقي، تجنيد مساعدين، سبل فرار وما شابه. والانقاذ هو بشكل عام عقب اخيل في عمليات من هذا النوع.

الرد الإيراني، اذا ما وعندما سيأتي، سيكون موجها على ما يبدو لممثلات إسرائيلية في الخارج واهداف إسرائيلية اخرى في العالم. والتقدير هو انهم سيهاجمون في الاماكن التي توجد فيها شبكات لحزب الله تستوعب رجال العمليات من الاستخبارات الإيرانية أو ان يتم استخدام اجهزة العمليات الخارجية لحزب الله. ويدور الحديث بشكل عام عن دول لا تتعاون محافلها الامنية مع إسرائيل مثل دول جنوب أمريكا، افريقيا والشرق الاقصى، وكذا تركيا واتحاد الامارات – التي اصبحت مقصدا سياسيا للإسرائيليين.

وهنا تنتقل الكرة الى جهاز المخابرات “الشاباك”، المسؤول عن حماية الممثليات والوفود في الخارج وتبدأ المرحلة الدفاعية في الحملة: تعزيز منظومة الحراسة، مشاركة الشرطة المحلية وتحديث انظمة الدفاع في السفارات ومحيطها. ويمكن لرفع حالة التأهب ان يستمر لفترات زمنية محدودة. يوجد للإيرانيين صبر. وهم سينتظرون لحظات الضعف.

كما أن من شأن الإيرانيين أن يردوا باطلاق النار من سوريا او من غرب العراق نحو اهداف في إسرائيل. فلديهم صواريخ جوالة هي في واقع الامر طائرات نفاثة بدون طيار تحمل مواد متفجرة بوزن 30 كيلوغرام. في ايار 2018 بعد أن دمر سلاح الجو منظومات الدفاع الجوي السورية وبنى تحتية إيرانية في سوريا، اطلق الإيرانيون نحو 30 صاروخ – اربعة منها فقط وصلت الى الاراضي الإسرائيلية واعترضتها القبة الحديدية.

دود وحسن طروادية

حتى لو كانت إسرائيل لا تأخذ المسؤولية عن اي تصفية في اي مكان في العالم فان لتصفية علماء النووي الإيرانيين المنسوبة لإسرائيل يمكن ان نسميها “عقيدة داغان” على اسم رئيس الموساد الراحل مئير داغان الذي يرى رئيس الموساد الحالي يوسي كوهن نفسه كتلميذه ومواصل دربه. في ندوة لذكرى داغان عقدت في 2017 وصف كوهن تلك العقيدة فقال: “لقد آمن داغان بانه يمكن العمل على الاستراتيجيات عبر سياق متواصل من الاعمال التكتيكية. فقد آمن بقوة العمليات المركزة لخلق كتلة تصبح مصممة للواقع. كانت حالات اعترف فيها داغان بنفسه بانه لا يعرف كيف يحدد بالضبط خطا واحدا يربط سلسلة العمليات الصغيرة. ولكنه آمن بانه طالما كان لديك اتجاه عمل واضح، فان سلسلة العمليات الموضعية ستحرك الواقع في الاتجاه الصحيح”.

مبدأ آخر لداغان والذي يبدو أن كوهن تبناه ايضا هو: “بهذه العقيدة توجد قيمة كبرى اذا ما تمت الاعمال الهجومية في ارض العدو.

في نظرة الى الوراء، فان سلسلة العمليات المركزة التي تحدث عنها داغان تتضمن، حسب المنشورات، ضرب المصانع التي تعمل في العالم على انتاج العناصر للبرنامج النووي الإيراني، ضرب المنظومة المالية التي تخدمه، ضرب مصانع الصواريخ ومنشآت تخصيب اليورانيوم على الارض الإيرانية وغيرها. والى جانب هذا – ضرب مديري المشروع النووي والعلماء. لا يمكن لاي عملية كهذه ان توقف وحدها السباق نحو النووي، ولكن بالمجمل تؤدي الى تأخير وضرب القدرة الإيرانية على الوصول الى النووي العسكري.

بالمناسبة كان لداغان كرئيس للموساد خلاف جوهري مع رئيس الوزراء نتنياهو حول طريقة وقف النووي الإيراني. في بداية العقد السابق، عندما تحدثت القيادة السياسية عن ضربة عسكرية في إيران، ادعى داغان بان مثل هذه الضربة ستجبي ثمنا لا يطاق من إسرائيل. وقال اعطوني المليارات، وانا سأكسب لكم بين سنتين واربع سنوات في تأخير المشروع. وسيكون هذا اقل كلفة واقل خطر بكثير.

وقد كان محقا. فليس لدى الإيرانيين بعد قدرة عسكرية نووية، رغم التوقعات القاتمة التي تحدثت عن قنبلة إيرانية منذ 2010.

وتحليل عمليات البنى التحتية النووية في إيران كفيل بان يشير الى الصعوبة في شلها لزمن طويل من خلال عملية عسكرية. يوجد اليوم في إيران 11 مركز يرتبط بالمشروع النووي. اثنان منها في قم وفي نتناز – تحت ارضيين. والجهة الوحيدة القادرة على أن تنفذ، من اليوم الى الغد، تدميرا متناسقا لمعظم مراكز النووي هي قيادة اوروبا في الجيش الأمريكي. في بداية العقد، كانت منشآت النووي هشة اكثر، ولهذا كان يمكن ليس فقط للأمريكيين بل ولجهات اخرى ان تضربها بنجاعة. ولكن في عامي 2012 – 2013، في ضوء الجدال العلني في إسرائيل عن خيار الهجوم في إيران، دفن الإيرانيون جزءا من المنشآت في باطن الارض، احاطوها ببطاريات صواريخ أرض – جو وجعلوها مواقع محصنة. اما الادارة الاساس المتبقية في يد إسرائيل فهي العمليات السرية.

منذ تسلم داغان منصبه في 2002، عندما تلقى من رئيس الوزراء اريئيل شارون المسؤولية عن الموضوع النووي الإيراني، استغرقه ثلاثة – أربع سنوات كي يبني بنية تحتية تخدم عقيدته. وكانت هذه استثمارات كبرى، تتواصل حتى يومنا هذا. فليس فقط تفعيل طواقم تصفية، منسوبة للموساد، بل وايضا بناء قدرات استخبارية وبنى تحتية في دول الهدف.

في 2007 بدأت تنشر انباء عن تفجيرات خفية في منشآت النووي في إيران. في كانون الثاني من تلك السنة علم عن عالم كان يعمل في منشأة لتحويل اليورانيوم لاصفهان وقتل بالسم. ولكن الموجة الكبرى كانت بين 2010 و 2012. وحسب المنشورات، في تلك الفترة صفي أربعة علماء نووي آخرين. كما نشر في حينه عن دودة “ستاكسنت” التي شلت منظومة حواسيب اجهزة الطرد المركزي وعن ادخال “حصان طروادة” لعدة منشآت نووية.

يبدو أنه بالتوازي مع بناء بنية تحتية لتنفيذ عمليات هجومية توثق ايضا التعاون في المجال مع وكالات استخبارية صديقة. سير جون سويرس، رئيس وكالة الاستخبارات البريطانية M16 تباهى في مقابلة صحفية بان وكلا بريطانيين أيضا ضربوا البرامج النووية الإيرانية.

انهى داغان مهام منصبه في 2011، وتواصلت سلسلة الاحداث في إيران بسنة أخرى على الأقل. وعندها في 2013 توقفت فجأة موجة الاغتيالات للعلماء الإيرانيين. والخلفية على ما يبدو كانت بدء الاتصالات بين الولايات المتحدة وإيران والتي انتهت بالتوقيع على الاتفاق النووي في 2015. في 2018 خرجت إدارة ترامب من الاتفاق النووي وفي 2019 عادت إيران لتهدد بتحطيم القيود التي فرضت عليها في الاتفاق. وفي نهاية تلك السنة استأنفت السباق نحو القنبلة. فمن غير المفاجيء إذن انه في منتصف 2020 عادت التقارير عن عمليات قامت بها جهات خفية في إيران. في حزيران وقع انفجار في منشأة للصواريخ في حجر، وفي تموز انفجرت منشأة لانتاج أجهزة طرد مركزي في نتناز. وفي آب صفي في طهران رقم 2 في القاعدة، وفي تشرين الثاني صفي فخري زادة. وهكذا انهار العامود الفقري الثاني – بعد قاسم سليماني – والذي اعتمدت عليهه سياسة الردع والامن القومي الإيراني.

ليس “قنبلة موقوتة”

­برأي خبراء في الغرب فان تأثير تصفية فخري زادة على استمرار المشروع النووي رمزي فقط. ولكن اذا عادت إيران الى كامل برنامج السلاح – أي بناء الرأس المتفجر النووي – فانه سيكون ملموسا جدا غياب الرجل بسبب قدراته وخبراته في المجال. يبدو أن أحدا ما توصل الى الاستنتاج بان الإيرانيين يستغلون تجميد الاتفاق النووي كي يستأنفوا السباق نحو القنبلة وينبغي تذكيرهم قبل أن يدخل بايدن الى البيت الأبيض ويبدأ بالاتصالات على استئناف الاتفاق النووي.

عقيدة داغان يمكنها أن تنجح فقط اذا ابقيت سرا. والاغتيال هو مسألة إشكالية في دولة ديمقراطية. في إسرائيل يتحدثون بشكل عام عن احباط مركز فقط في سياق “القنبلة الموقوتة”. معقول الافتراض بان علماء النووي الإيرانيين لا يدخلون ضمن هذا التعريف القانوني. وتصفية بؤر المعرفة تأتي بشكل عام للردع، بضرب المعنويات، لزرع الحرج في محافل الامن ولازالة عقول إبداعية عن الطريق. ولكن العالم يعرف كيف يقدر القوة ويحترم الاعمال الجريئة والذكية. ولا تزال عملية عنتيبة رمزا تجاريا دوليا. كما ان النجاح العملياتي يبرز كون إسرائيل ذخر لحلفائها – ولا سيما الولايات المتحدة.

وبالمقابل تثور معاضل مثل “اذا كنت اصفي عالما فلماذا لا اصفي وزير دفاع يعطيه الأوامر او الزعيم الروحي؟ اين الحدود؟ اذا صفيت خصما في دولة صديقة وامسك بك – فانك تعرض للخطر العلاقات الدبلوماسية. وبخلاف ضرب المنشآت أو البنى التحتية، فان تصفية شخص ما تدعو الى الثأر. وعندما تكون هذه شخصية رسمية فهذه إهانة للنظاتم الذي لم ينجح في حمايتها. يحتمل أيضا ان يكون داغان آمن بان تلك العمليات الموضعية المتواصلة التي نسبت لإسرائيل، ستضعف النظام امام جمهوره. وهذا هو السبب الذي يجعل النظام الإيراني يتوعد بعملية ثأر.

كان يمكن لانعدام العنوان الواضح ان يسمح للإيرانيين بالامتناع عن الرد. فليس لهم من يدينوه. والى هنا يدخل التبجح حتى وان كان بالتلميح من جانب رئيس الوزراء. وهذا يكفي للإيرانيين.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!