جبير الصادق يكتب:ظلموه إذ لم يقرأوا له …الإعتدال في فكر د.محمد علي الجزولي
حدقات نيوز
الذين يرمون شيخنا الحبيب دكتور محمد علي الجزولي _فك الله أسره_ بالتشدد لا أظن أنهم قرأوا فكره ولا وقفوا على ما دوّنه في مشروعه الفكري *مشروع الأمة الواحدة الشهود الحضاري* فعندما كان الناس يختزلون الإعتدال في صورة وإجتهاد معين يصفون صاحبه بالإعتدال وفي الغالب ما يتبنى هذا الإجتهاد أيسر الحكمين في المسائل الخلافية إلا نادرا حتى ظن العامة أن كل حكم سهل هو الصواب وكل حكم فيه ثقل على النفوس هو التطرف كان دكتور الجزولي يقول *إن توصيف مسلك من الإجتهاد أنه النسخة الإسلامية المعتدلة هو نفسه ضرب من التطرف إذ هو تحكم في الصواب وإحتكار الحق دفع الطرف الآخر الموصوف بالتطرف أن يصف هذا المسلك بالترخص وتمييع الدين ولم نحل بذلك المشكلة ، مشكلة التخندق والتمترس بل التنابز والتهاجر وربما إحتد الخلاف ليصل درجة الإحتراب والتقاتل* لذلك عندما أسس تيار الأمة الواحدة قال في توصيفه *هو كيان إسلامي جامع وهو نواة جماعة المسلمين به مدارس فكرية (أهل سنة ومرجئة وخوارج ومعتزلة وماتوريدية وزيدية وغيرهم ) وهو مذاهب فقهية ( أحناف ومالكية وشافعية وحنابلة وجعفرية وظاهرية وغيرها ) وهو منابر سياسية ( فيه دولة القانون وحزب التحرير والمؤتمر الوطني والشعبي والإصلاح الآن ومنبر السلام وغيرهم ) وهو طرائق حركية ( فيه التربويون والجهاديون والبلاغيون والصوفية ) فتيار الأمة الواحدة بحسب توصيف دكتور الجزولي هو نواة وحدة الأمة لا يتبنى مدرسة فكرية ولا مذهبا فقهيا ولا منبرا سياسيا ولا طريقة حركية فتبنيه لإجتهاد معين يسميه إعتدالا ووصف الإجتهاد الآخر بالتطرف يعني ضيق ماعونه عن إستيعاب المسلمين كل المسلمين ، فالجزولي لا يؤمن بالصفوية الحركية شرطا للإنتماء بل يراها تقسم المسلمين إلى ملتزم وغير ملتزم وسني ومبتدع وعامل وقاعد لكنه يؤمن بالصفوية القرآنية التي جعلت من المسلمين سابقا بالخيرات ومقتصدا وظالما لنفسه لكنها كما نبه الجزولي رغم ذلك جعلت الكل من أهل الإصطفاء فقال تعالى ( ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) والجزولي يفرق بين شرط الإنتماء الذي سنذكره لاحقا وشروط الإرتقاء فهو يقول نقل المسلم من البدعة إلى السنة والفسق إلى التقوى والقعود إلى الحركة هو تدرج في الإرتقاء لكنه ليس شرطا للإنتماء لنواة جماعة المسلمين إذ الإصلاح بالترقي والترفق هو عمل يتم داخل الجماعة وليس شرطا للإنتماء إليها فتيار الأمة الواحدة ليس ناديا مغلقا للمتقين وبهذا الفهم نجد أبناء التيار يحبون سائر أصحاب الإجتهادات الإسلامية ، وفي إجابة على سؤال بديهي كيف يمكن الجمع بين كل هذه المتناقضات والمختلفين في الفكر والسياسة والفقه والحركة ؟! يقول الجزولي في كتيب لطيف بعنوان *الأمة الواحدة المفهوم والتحديات* *(قبل أن نجيب كيف نجمعهم علينا أن نحدد بأي إعتبار نريد أن نجمعهم وقد وجدنا في إجتهادات من قبلنا أن البعض يريد وحدة تكون ناديا لأهل السنة فأخرج منها غير أهل السنة وبعضهم أراد وحدة للجهاديين فأخرج الدعويين وبعضهم أراد وحدة للملتزمين فأخرج منها العوام وبعضهم أراد وحدة للحركيين السياسيين فأخرج الجهاديين والتربويين وهذه كلها مواعين أضيق من الأمة ، ووجدنا أيضا في إجتهادات من قبلنا من يدعو إلى وحدة في الأصول والثوابت والكليات وإلى ما ذلك من المصطلحات لكنهم إختلفوا في تحديد تلك الكليات والأصول والثوابت إختلافا بدلا من أن يحل المسألة أثار معركة حامية الوطيس في ميدان ما هي الثوابت وما هي الأصول ، ومن إتفق منهم على تحديدها بدقة أدخل جمعا من المسلمين وأخرج آخرين فلم تكن وحدتهم بذلك وحدة لكل المسلمين وقد بينا في كتابنا *الشهود الحضاري ..كيف ننهض* أننا نريد وحدة تسع ما تسعه الجنة والجنة تسع خمسة المسلم السابق بالخيرات والمسلم المقتصد والمسلم العاصي والمسلم المبتدع والمسلم المتلبس بعمل كفري عن تأويل سائغ ، يبقى السؤال كيف نجمع كل هؤلاء وعلى أي قاعدة نجمعهم وللإجابة على السؤال نرجع إلى سؤالنا الأول بأي إعتبار نريد أن نجمعهم ؟ وهنا نقول وبالله نتأيد إننا نريد جمعهم بإعتبارهم مسلمين فقط لا بإعتبارهم أهل سنة ولا بإعتبارهم ملتزمين ولا بإعتبارهم حركيين فقط بإعتبارهم مسلمين وهنا يدخل كل من لم يثبت كفره بيقين والحد الأدنى الذي نريد جمعهم عليه هو *التوحيد الذي عماده وحدة المسلّم له لا وحدة المسلّم به* وبناءا على هذا الحد الذي ذكرنا *فكل من توجه لله باحثا عن دينه في مظانة من الوحي وبذل جهده في معرفة الحق ثم سلم إلى ما إنتهى إليه إجتهاده فهو المسلم ما كان تأويله سائغا وإن أخطأ الحق في كل مسألة في باب الفكر والسياسة والفقه والحركة* )
إنتهى كلامه من رسالته *الأمة الواحدة المفهوم والتحديات* .
أذكر في زيارة له للإمام الصادق المهدي في شهر رمضان دار بينهما حوار عميق عن وحدة الأمة فلما ذكر دكتور الجزولي هذه المسألة علق الإمام قائلا *هذه هدية رمضان* وكان الإمام قد ذكر هذه العبارة *توحيدنا وحدة المسلّم له لا وحدة المسلّم به* في خطبة عيد الفطر .
من وقف على هذه المرئية عن مفهوم وحدة الأمة التي طرحها دكتور الجزولي في كتابه *مشروع الشهود الحضاري ..كيف ننهض* الذي ألفه عام 1995 يعلم كيف أن الدكتور ظلمه من يرميه بالتطرف والتشدد وقد قدم أطروحة في الإعتدال والإعذار أوسع من ما طرحه الباحثون في هذه القضية التي ظلت محل إهتمام المشتغلين بالفكر الإسلامي ووحدة الأمة . يقول دكتور غازي صلاح الدين في تقريظه لكتاب دكتور الجزولي *عملية جراحية للعقل المسلم* (من المهم، مع قراءة الكتاب أن نقرأ الكاتب، د. محمد علي الجزولي، الذي هو مزيج من المدرسة السلفية ومدرسة الحركة الإسلامية الحديثة، لكنه في الحصيلة النهائية مستقل في مواقفه وأصيل في مفاهيمه. وهو بحكم سنه وتجربته مصنف ضمن الشباب، وهو قريب من مزاجهم، فضلاً عن أن خطابه جاذب لهم. لقد استحكمت لدى د. الجزولي قناعة قوية، ساقنا إليها بالأدلة من خلال هذا الكتاب، وهي أن علة المسلمين الكبرى الفرقة والتشظي، وأنه لا رسالة تعلو فوق رسالة توحيد الأمة وجعلها –على صعيد الحركة السياسية في الحد الأدنى- أولوية نضحي من أجلها بكثير من الأولويات الأخرى. لهذه الأسباب أنشأ د. الجزولي تيارا توحيديا أسماه ‘تيار الأمة الواحدة’ وصار منسقه العام. واضح من التسمية أن الرجاء معقود على التيار أن يتحرك ويقتحم ويشق طرقاً ومشارع جديدة، كلها يمضي إلى غاية واحدة عظيمة وهي وحدة الأمة الإسلامية ) .
وشيخنا الحبيب_فك الله أسره_ ذهب أبعد من ذلك وهو يقول ( إن وحدة الأمة ليست مسألة فكرية وفقهية باردة نحدد قواعدها ومعالمها وإنما هي مسألة تربوية تحتاج إلى نشر وترسيخ ما أسميه خلق الإعتصام ، فالإعتصام والوحدة تحتاج إلى بناء أخلاقي يحولها من جدل فكري إلى سلوك عملي يطرد الشحناء والبغضاء والتعصب ) لذلك ظل الجزولي يرسخ في تلاميذه ما يسميه *ثلاثية الإنصاف:تفهمه _اعذره_أحببه* وهو يقول لهم تفهموا أقوال مخالفيكم وما دعاهم إليها من الحجج واعذروهم في ما أخطأوا فيه من الإستدلال السائغ وأحبوهم على ما جعل الله الرحيم لهم من الأجر والثواب فكيف تبغضونهم على أمر هو عند الله مغفور . وقد ألف في المسألة كتابا كاملا ماتعا عنوانه *القول المبين في إعذار المتأولين من فرق المسلمين*