المفتش العام الأسبق للجيش يكتب :الفترة الانتقالية ما بين الوثيقة الدستورية غير الشرعية والإعلان السياسي المدسوس

0 20

الفترة الانتقالية تأسست على الوثيقة الدستورية المعيبة كمرجعية قانونية لإدارتها. على ضوء هذه الوثيقة تمت الشراكة بين المكون المدني والعسكري لتقاسم السلطة. إجراءات 25 أكتوبر التصحيحية جاءت نتيجة للمواكب التي سيرها الشارع مطالباً بتصحيح مسار الثورة. اختلف هنا الشركاء حول تلك الإجراءات حيث وصفها ناشطو قحت وصحفيوها الماجورين بأنها تمثل إنقلاباً بينما وصفها البرهان ومؤيدوه بأنها إجراءات تصحيحية نادى بها الشارع كما وصفت أمريكا تلك الإجراءات بأنها تدخل عسكري حميد تم لفشل حكومة حمدوك في إدارة شؤون الدولة. اختلاف وجهات النظر حول هذه الإجراءات تسبب في الأزمة السياسية الحالية. للخروج من هذه الأزمة كان ينبغي على الطرفين الرجوع للقانون الدولي والمعاهدات والمواثيق الدولية لمعرفة الوصف الصحيح للإنقلاب. وصف الإجراءات بالإنقلاب غير صحيح لأن البرهان ما زال ممسكاً بالسلطة فلا يمكن له أن ينقلب على نفسه كذلك إلتزم البرهان في تلك الإجراءات بالتحول الديمقراطي وحماية وتأمين الفترة الانتقالية وإجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة. الإنقلاب عادة ما يقوم بحل الأحزاب السياسية وإلغاء الدستور ومصادرة الصحف وكبت الحريات العامة وحرمان المواكب والتجمعات والتظاهرات وكل هذا لم يحدث. الإنقلاب في عرف القانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية يتم ضد حكومة مدنية منتخبة وضد نظام دستوري قانوني ولكن حكومة حمدوك لم تكن منتخبة ولا شرعية لها. عودة حمدوك مرة أخرى لرئاسة الوزراء بإتفاقه مع البرهان في 21 نوفمبر تعتبر مؤشر قوي على أن تلك الإجراءات لا تمثل إنقلاباً وإنما تمثل فضاً للشراكة. قحت وصفت تلك الإجراءات بأنها ثورة جديدة تدخل البلاد في مرحلة جديدة وتتطلب دستوراً جديداً وهذا الوصف يمثل اعترافاً بتلك الإجراءات لأن الإصلاح يحمل التجديد في مضمونه. الفترة الانتقالية مؤقتة وعمرها قصير ولا تحتاج لدستور أو وثيقة دستورية ويمكن إدارتها بمراسيم دستورية مؤقتة. الوثيقة الدستورية لا مرجعية تأسيسية لها كما لم يجري عليها استفتاء ليصبغ عليها صفة الدستورية فهي لا تخرج عن دائرة اتفاق سياسي عادي يمكن لأي طرف أن يخرج عليه ولهذا فإن خروج حمدوك على اتفاقه مع البرهان بتقديم استقالته لا يمكن وصفه بالإنقلاب. التسويق والترويج الذي قامت به قحت وصحفيوها الماجورين وفولكر بوصف تلك الإجراءات بأنها إنقلابية هو عبارة عن (سواقة بالخلاء)!!. كذلك لعب أصحاب الولاءات المزدوجة العاملين بالمنظمات الأجنبية التي تعتبر آليات لتنفيذ السياسة الخارجية لدولها لعب هؤلاء دوراً في الترويج والتسويق لتلك الإجراءات على أنها إنقلابية وكل هذا يعتبر مؤشراً قوياً على التدخل الخارجي في البلاد الذي يشارك فيه أشخاصاً سودانيين غير وطنيين تم تجنيدهم للقيام بهذا الدور وتم تشكيل حكومة حمدوك الأولى منهم. ليس هنالك خلاف يذكر بين الوثيقة الدستورية غير الشرعية والإعلان السياسي المدسوس الذي أصبح إطارياً. الإعلان السياسي المدسوس لا يسمح بتوسيع دائرة المشاركة التي ينادي بها المجتمع الدولي والبرهان وهذا يعني أن الخلاف ينحصر حول السلطة. الاتفاق الإطاري المعلن أربك العملية السياسية وفاقم الأزمة السياسية ولا أدري ماذا يفعل الإعلان السياسي المدسوس بالبلاد؟!! ورشة القاهرة جاءت بالحلول لأنها أسست لحكم الدستور والقانون ودولة المؤسسات بينما ورش فولكر عمقت الخلاف والجراح وأشعلت نيران الفتنة ودقت طبول الحرب فهي لا تعترف بالدستورية لأنها تسعى لتأسيس دكتاتورية مدنية تضع هي دستورها بينما الدستور الذي يضعه الشعب يقيد سلطة الحكومة وهذا هو النهج المتبع في كل الدول الديمقراطية.كل الورش أغفلت عن قصد قضية جوهرية وهي الإصلاح السياسي أساس البلاء . الإنقلابات العسكرية كلها سياسية منذ إنقلاب عبود الذي صنعه حزب الأمة وإنقلاب نميري الذي صنعه الحزب الشيوعي والقوميين العرب وإنقلاب البشير الذي صنعه الإسلاميون. بجانب هذه الإنقلابات السياسية إنحاز الجيش للشعب في( 1964م-1985م-2019م) وكل هذا مؤشر قوي على أن الساسة هم الذين أدخلوا الجيش في السياسة!!. مساجلات العسكريين التي هدأت الآن بعد ممارستهم للنقد الذاتي وعودة الوعي السياسي للجميع وهي ليست ناجمة عن خلافات سياسية لأنهما اتفقا سوياً على تسليم السلطة للمدنيين وهي أيضاً ليست خلافات عسكرية لأن الخلافات العسكرية تحسمها المؤسسية العسكرية ولكنها تعبر عن اختلاف وجهات النظر في المفهوم الصحيح للإنقلاب. أما قضية الدمج فقد نصت عليها الوثيقة الدستورية المعيبة وعززها الاتفاق الإطاري ولا خلاف حولها بين الطرفين بعد ما وافق حميدتي مؤخراً على عملية الدمج. إصرار فولكر على إعلان حكومته قبل رمضان يعني ذلك أنه ستكون للسودان حكومتان تدعم أحدهما أمريكا وتدعم الأخرى روسيا وبذا فإن السودان سوف يصبح مسرحاً لحسم خلافات وصراعات الدول العظمى على أراضيه وهذا خطر داهم ينبغي تفاديه والتاريخ لا يرحم!!. الوثيقة الدستورية تعتبر أكبر تحدي للفترة الانتقالية لأنها غير قانونية وغير دستورية ولا شرعية لها. بالرغم من ذلك قامت الشراكة التعيسة التشاكسية على ضوء هذه الوثيقة التي لم تبنى على مرجعية تأسيسية ولم يجري عليها إستفتاء. تحدي آخر للفترة الانتقالية هو أن قحت بعد أن آلت إليها السلطة قامت بالشرعنة للوسائل المخالفة للقانون تحت مسوغات حرية الرأي السياسي وحرية التعبير وجعلت عملية التتريس للطرق عملاً مشروعاً وكذلك الاعتصامات والوقفات الاحتجاجية وتعطيل دولاب العمل بالدولة مما قاد لفشل حكومتي حمدوك. تحدي آخر مثله التدخل الخارجي الذي أصبح عنصراً فاعلاً أساسياً في تشكيل السياسة السودانية عكسه التدخل السافر للسفراء الأجانب. لا يوجد حراك ثوري مستمر الى الأبد ومشكلة قحت أنها لم تتحول من ثورة الى دولة حيث ظلت تدير شؤون الدولة من الشارع فلم تهتم بمعاش الناس كما إنها لم تقوم بصيانة معبر خور (السندكاية)الذي احتفلت بإنشائه أخر حكومة مدنية منتخبة بإعتباره أكبر انجاز لها!! الإطاري عبارة عن إعلان ملاديء وليس إتفاقا نهائيا كما صوره عرابه ياسر عرمان الذي وصف تصريحات البرهان في نهر النيل بإنها تمثل خروجا ونقكصا للإتفاق . الإطاري إقصائي ولا مستقبل له إلا إذا تحول إلى إعلان سياسي جديد يضم مبارك الفاضل وترك وعسكوري وأردول لأنهم أكثر وطنية وفيهم مصلحة للبلاد وأكثر وزنا سياسيا من شتات قحت . خلاصة القول: الفترة الانتقالية مبنية على الوثيقة الدستورية المعيبة والاتفاق الإطاري مبني على دستور نقابة المحامين غير الشرعية ولا تملك سلطة تأسيسية لبناء الدستور وما بنى على باطل فهو باطل أيضاً. قحت لا تملك تفويضاً شعبياً لوضع الدستور والفترة الانتقالية ليس من مهامها وضع الدستور لأنها مؤقتة وعمرها قصير. ختاماً: قحت ليست مؤهلة قانونياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً لإدارة شؤون الدولة وهي تمثل مخلب قط لقوي أجنبية لتنفيذ أجندة خاصة.وبالله التوفيق.

فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!