المفتش العام الأسبق للجيش يكتب :إدارة الفترة الانتقالية…كفاءات وطنية سياسية أم كفاءات وطنية مستقلة؟!!
العملية السياسية منذ انطلاقتها الأولى في فندق السلام روتانا واجهتها عدة عراقيل تمثلت في المقاطعة للاجتماعات بحجة رفض بعض المشاركين فيها كما كان هنالك اختلاف في كيفية إجراء المفاوضات هل تجري تحت منصة سودانية أم منصة أجنبية؟ ومن يرأس المفاوضات؟ وما هو دور فولكر فيها؟ وهل هنالك إلتزام مسبق بمخرجاتها أم أنها ستكون عبارة عن عبث سياسي لا طائل يرجى من ورائه؟. العقبة الرئيسية التي طرأت مؤخراً جاء بها ياسر عرمان عراب الإطاري وهي ضرورة أن يتولى إدارة الفترة الانتقالية كفاءات سياسية ولا مجال لمشاركة كفاءات مستقلة أو الحديث عن حكومة تكنوقراط كما نصت على ذلك الوثيقة الدستورية. اتفاقية سلام جوبا نصت على أنه في حالة أي تعارض بين الوثيقة والاتفاقية فإن ما جاء بالاتفاقية هو الذي يسود وهذا يمثل أول إنقلاب على الوثيقة لأنه لايمكن لاتفاق سياسي أن يعلو على الدستور. بما أن الاتفاقية أصبحت جزءاً من الوثيقة الدستورية فليس هنالك أي داعي لحذف كلمة(مستقلة) طال ما إن الاتفاقية تعلو على الدستور لأن ذلك يضمن الحقوق والامتيازات لمن وقعوا على اتفاقية السلام. الوثيقة الدستورية تعرضت لعدة اختراقات قبل أن يجف مدادها كما تم تعديلها بالرغم من أن تعديلها لا يتم إلا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس التشريعي الذي لم يشكل حتى الآن ولا داعي لتشكيله لأنه معين لا يحقق الديمقراطية وكذلك ليس هنالك أي داعي للمفوضيات الكثيرة لأن هنالك وزارات ومؤسسات حكومية تقوم بدورها ويمكن فقط تعيين مفوضية للانتخابات وأخرى للشباب. ما ذكر أعلاه من خروقات وتعديل للوثيقة وعلو اتفاق السلام عليها فإن كل ذلك قد ضرب أخر مسمار في نعش الوثيقة قبل أن تطالها إجراءات 25 أكتوبر. الأحزاب التي سرقت ثورة الشباب إنضمت لها بعد إحدى عشر يوماً من نجاحها ووصفتها(ببوخة المرقة) مشككة في نجاحها. هذه الأحزاب عجزت عن إقامة وقفة احتجاجية بميدان أبو جنزير(حضرنا ولم نجدكم). هذه الأحزاب الهزيلة لا شرعية لها لأنه لا يوجد لها أي دور في نجاح ثورة الشباب وتستمد قحت شرعيتها فقط من المجتمع الدولي وتتقوى به على شعبها. المجلس العسكري الانتقالي أطاح بالنظام السابق وآلت إليه شرعيته وكان ينبغي عليه أن يشكل حكومته منفرداً من كفاءات وطنية مستقلة لإدارة الفترة الانتقالية وتسليم السلطة للحكومة المدنية المنتخبة. خطأ أخر ارتكبه هذا المجلس وهو أنه لم يستمر في تنفيذ إجراءات 25أكتوبر التصحيحية التي اتخذها وحدد فترة زمنية لتنفيذها. كل الفترات الانتقالية السابقة تمت إداراتها بكفاءات وطنية مستقلة بنجاح تام. قحت تدرك جيداً أنه لا حظ لها في الانتخابات ولذلك فهي تسعى لإدارة الفترة الانتقالية لأطول فترة ممكنة حيث نادى ناشطوها السياسيون بتمديد الفترة الانتقالية لمدة(15) عام وهذا يعني أن قحت تسعى للأنفراد بالسلطة عن طريق دكتاتورية مدنية مستبدة لأن العصر الحديث هو عصر الدكتاتوريات المدنية أم عصر الدكتاتوريات العسكرية فقد ولى زمانها. الاتفاق الإطاري صمم لتسليم السلطة لقحت بدون انتخابات ومع ذلك يلتزم البرهان بهذا الاتفاق ولا أدري ما هي فائدة الإلتزام بالسير في عملية سياسية محكوم عليها مسبقاً بالفشل المحتوم؟!! حالة الاحتقان السياسي والاستقطابات السياسية الحادة والحشود العسكرية هذه الأجواء المشحونة بالتوترات أدخلت الخوف والذعر في نفوس المواطنين الذين أصبحوا في حيرة من أمرهم لا يعرفون ماذا يجري من حولهم وما تحمله لهم الأيام والأقدار من مفأجات سارة أم حزينة لأن كل الاحتمالات هنا أصبحت واردة. تكرار وتعدد الأزمات في السودان أفقد الدولة مكانتها في الأسرة الدولية وهذا مؤشر على ضعف ثقافة إدارة الأزمات. إدارة الفترة الانتقالية مسؤولية الكفاءات الوطنية المستقلة لأن إدارتها بواسطة الكفاءات السياسية سيفسدها ويقود لفشلها. الأحزاب السياسية غير مؤهلة لأنها تحتاج لإصلاح سياسي داخلها لا يتحقق عبر ورش فولكر ولكنه يتحقق بثورات شبابية تجدد الدماء في هذه الأحزاب التي شاخت. ياسر عرمان بحديثه عن إدارة الفترة الانتقالية بالكفاءات السياسية يعود بالعملية السياسية الى المربع الأول. لا أدري كيف يوقع البرهان على شراكة جديدة مع من يسعون لتفجير الخرطوم؟!! الذين لا يهتمون بمصالح الوطن ويغلبون مصالحهم الحزبية والشخصية الضيقة على المصالح الوطنية. اتسمت العملية السياسية بإختلاف وجهات النظر في المفاهيم والمصطلحات المستخدمة حيث تسبب عدم الفهم الصحيح لإجراءات 25 أكتوبر في الأزمة السياسية هل هي (إنقلابية) أم(تصحيحية). الآن دخلت العملية السياسية في مسلسل جديد حول المفهوم الصحيح للاتفاق الإطاري هل هو اتفاق(مبدئي) أم(نهائي). وهذا الخلاف سيقود لفشل الاتفاق الإطاري. العملية السياسية برهنت على أن الشيطان لا يكمن في التفاصيل فقط بل يكمن أيضاً في الفهم الصحيح للمصطلحات المستخدمة. الشرطة تتعرض لأعمال شغب غير سلمية تستهدف أفرادها ودورها وآلياتها بقصد إضعافها وإنهيارها حتى تعم الفوضى بالبلاد. الشرطة ظلت تحمي الدولة من الأعمال المناوية لها وحتى تتمكن من أداء مسؤوليتها بكفاءة عالية في حفظ الأمن والاستقرار لابد من توفير الحصانة والحماية لها ودعمها ورفع معنوياتها وإذا لم يتم ذلك فعلى الدنيا السلام!!. خلاصة القول: إدارة الفترة الانتقالية مسؤولية الكفاءات الوطنية المستقلة. المخرج من الأزمة الحالية يتم عبر الاتفاق على إعلان سياسي جديد لا يقصي أحداً. ختاماً: متى يا برهان تضع حداً فاصلاً لمرحلة التوهان السياسي التي يسير فيها السودان؟!!. وبالله التوفيق.فريق أول ركن حسن يحيى محمد أحمد