القوات المسلحة تنتفض مجددا

0 589

بروفيسور علي عيسى عبد الرحمن

شهد الثلث الأخير من أغسطس مهرجاناً من الخطابة السياسية ، فرسانها كلً من رئيس مجلس السيادة الفريق أوّل البرهان ، ورئيس مجلس الوزراء الدكتور حمدوك، فبينما تزامن خطاب البرهان مع فعاليات عيد القوات المسلحة السادس والستين ، فإنّ مناسبة خطاب حمدوك هي الذكرى الأولى لإعتلائه عرش مجلس الوزراء ، فالمقارنة هنا تنتفي ، فهي مقارنة بين مستجد و(توب سنير) أو إن شئت مقارنة بين دولة القوات المسلحة العميقة بكامل قواعدها ، ودولة مدنياووو الضحلة المترنحة بأركانها المرتجفة والتي أسست على جرف هار ، فهناك الهمس والمعلن في خطاب حمدوك ينتقد فيه المؤسسة العسكريّة وانّها عصيّة عن التفكيك ومنعت من تفكيك المؤسسة الأمنيّة والشرطة وأنّ المؤسسات العسكريّة الإقتصاديّة يجب تفكيكها واخضاعها لحكومته لتكون تحت ولاية وزارة الماليّة ، وهناك التورية والتصريح في خطاب البرهان بأنّ القوات المسلحة سوف تكون شوكة حوت لمن أراد سرقة الثورة وانّها رهن إشارة الشعب السوداني (ضع خطين تحت هذه الجملة ) و تحدث البرهان عن حملات منظمة لتفكيك الجيش وذكر أنّ الفاشلين يريدون القاء فشلهم على مؤسسات الجيش ، مشيرا الى سوء تخطيط وإدارة حكومة حمدوك ، وتحدث البرهان عن جهات تسعى الى الفتنة بين القوات المسلحة والشعب ناعيا الواقع وبأنّه لم يلب الطموحات ، وقال البرهان ، أنّ الدولة تعاني من أزمة اقتصاديّة مزمنة ولم تستعد للانتخابات وأنّ الحكومة مشغولة بالمحاصصة .
صحيح مرت العلاقة بين القوات المسلحة والمكوّن المدني بمراحل مختلفة ، بدء بمرحلة التشاكس بين المكونين مرورا بمرحلة التماهي وصيرورة الروح الواحدة في جسدين ، والآن هي مرحلة التوجس بين المكونين والتي جعلت كل مكوّن يرجع لمخاطبة حاضنته للتزود بالطاقة الإيجابيّة لمواجهة الموقف ، حيث لجأ البرهان الى الشعب وأنّ القوات المسلحة رهن إشارة الشعب ، بينما رجع حمدوك الى حاضنته من بقايا الثوار ولجان المقاومة ، فمرحلة التوجس هذه قد تطوّر الى المفاصلة الكبرى وحينها يصبح البقاء للأصلح وبالطبع هنا هو الأقوى .
لقد كانت انتفاضة القوات المسلحة الأولى تمثّلت في استعادة زمام المبادرة بانتشارها وفرض هيبتها وبرفضها للتفكيك وتفكيك بقيّة مؤسسات الدولة الأمنيّة والشرطيّة ، وهي انتفاضة صامتة بالطبع بلا ضجيج ، لتأتي الانتفاضة الثانيّة من خلال خطاب البرهان بمنطقة وادي سيدنا العسكرية وما فيها من رمزيّة تاريخية ، ففيها معركة كرري بين الانصار بقيادة الشهيد الخليفة عبد الله التعايشي وبين الانجليز بقيادة كتشنر ، ستين ألف مجاهد من الأنصار في مواجهة ستة آلاف من العلوج (مقاتلو الكفار) بكرري ، ومن كرري انطلق انقلاب النميري واعتمد البشير على كرري في تنفيذ انقلابه ، فلمنطقة كرري العسكريّة رمزيتها ، فهي تضم الكليّة الحربيّة ( أم الكلالي ) وجامعة كرري وقاعدة وادي سيدنا العسكرية ، لذلك اختارها الفريق البرهان للرمزيّة هذه لإعلان انتفاضة القوات المسلحة السلميّة الثانية .
الإشارة التي يريدها البرهان هو السند الإيجابي من الشارع وإضفاء الشرعيّة والتفويض الى القوات المسلحة لتتمكّن من إحداث التغيير المطلوب لهذه الفوضى وهذا الانهيار في كل شئ ، من السيناريوهات الأقرب هنا بلوغ الانهيار ذروته وحينها سوف تنحاز القوات المسلحة الى الشعب وبلا تفويض من الشارع ، ولكن مهما يكن من أمر فإنّ روح حكومة حمدوك قد بلغت الحلقوم فهي تعيش مرحلة (كتلوك ولا جوك جوك ) .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

error: Content is protected !!