كي لا ننسى ..
متحرك الوعد الحق و حكاية الشهيد الدكتور مهندس محمود شريف
بروفيسور علي عيسى عبد الرحمن
لا يستطيع أحد أن يزايد على الإسلاميين في شأن بناء السودان والدفاع عنه وقدم الإسلاميون ارتال الشهداء من اجل ذلك ومنهم الشهيد الدكتور مهندس محمود شريف والحديث عنه لا ينفصل عن متحرك وعد المتقين الذي مهمته دخول نمولى من الجنوب عبر الحدود اليوغندية لان طريق (نمولي اشوا ) من الشمال كان ملغما .
عمليات متحرك وعد المتقين جاءت مكملة لعمليات صيف العبور ومسك الختام فقد عبر صيف العبور بالقوات المسلحة والسودان إلى بر الامان (ليس كعبور حمدوك بالطبع) ، اعاد صيف العبور للقوات المسلحة هيبتها وكسر شوكة التمرد بشمال وشرق وغرب الاستوائية ولم يتبق إلا جيب نمولي باقصى الجنوب وتلكم مهمة متحرك وعد المتقين .
قاد المتحرك ثلاثة قوات على التوالي ، أما قيادة الكتائب وأسلحة الإسناد وأركان العمليات والادارة كلهم من الدفعة ٢٩ دفعة الشهيد ابراهيم شمس الدين وزير الدولة بالدفاع وقتها وكلهم كانوا برتبة مقدم ، كنت حينها برتبة نقيب وكانت مهمتي الإسناد المعنوي كأول تجربة ميدانية للعمل المعنوي بالمتحركات ، وكان الضغط النفسي على المتحرك كبيرا لصعوبة المهمة وقد انشد شاعر المتحرك العريف حينها طيب الأسماء الرفاعي قائلا:
الوعد وعد المتقين يا جون قرنق اجلك دنا واسودنا قدر الاقتحام
الوعد وعد المتقين يانمولي
ياما جوك رجال
وقت الهجوم هجانة فوق
شرقية في أرض التمام
غربية كسحت امنت
شمالية كملت الكلام
كلية كلكلت العدو
صبت عليه حمم سهام
امال القيادة العسكرية كانت متجهة صوب وعد المتقين لذلك تميز عن غيره في السلاح والرجال واللوجستيات .
تحرك وعد المتقين في ديسمبر ١٩٩٤ من جوبا ووصل منطقة تسمى فرق سكة ( الميل ٧٥)حيث يتجه طريق إلى نمولي غربا وهو طريق ( اشوا) الملغم وطريق يتجه شرقا يربط مقوي وفلتاكا وفرجوك بنمولي وهو يبعد عن نمولي أكثر من مائة ميل بينما أشوا عن فرق سكة لا يزيد عن خمسين ميلا.
انضم الشهيد محمود شريف إلى المتحرك بعد فرق سكة في قرية امي( بمد الالف) وكان الشهيد رمزا معنويا هائلا، تحدثت اليه بضرورة أن يكون مع القوة التي تؤمن فرق سكة( الميل) ٧٥ لان القوة عليها ضغط من قبل قوات التمرد بأشوا والتي بتوريت والتي أمام محور مروي ، فقال لي ما جئت لارتكز وذات ما قاله لقائد المتحرك العقيد حينها محمد الحسن الذي قال للشهيد نريد عملا معنويا لهذه القوة وفق برنامج محدد ولكنه أعتذر .
تقدم المتحرك فاسترد مقوي وهو في مشارف فلتاكة أصيب ركن عمليات المتحرك مرتضى وراق المقدم حينها والفريق والي الخرطوم المستقيل ، فقد أصيب إصابة بالغة وتمت ترتيبات اجلائه إلى جوبا فرفض ، قائلا لا يمكن أن اترككم في هذا الموقف ، فاصر على عدم اجلائه واصر قائد المتحرك أن يجلى ، هنا بكى المقدم وراق بكاء شديدا ( كتبت ذلك في كتابي متحرك وعد المتقين ارتكازة ووثبات تحت عنوان متى يبكي الرجال ) كما انتجت فيلما وثائقيا عن فعاليات متحرك وعد المتقين انتهاء بالميل اربعين ، استلم راية ركن العمليات ( ابو الرايقة) وبالطبع كلاهما اساطين العمليات .
دخل المتحرك فلتاكا وهي من اجمل المدائن بشرق الاستوائية تتوسطها كنيسة ضخمة وتحرك المتحرك دون أن يرتكز فتم استرداد فرجوك حيث طالت الارتكازة بها وتجاذبنا الاحاديث المطولة مع الشهيد الدكتور مهندس محمود شريف محمود محمد شريف صالح وهو من مدينة دنقلا جزيرة لبب ( حيث ولد الامام المجاهد المهدي ) وتلقى كل المراحل الدراسية بمدينة عطبرة، وكان أول الشهادة السودانية الثانوية ١٩٦٦والتحق بجامعة الخرطوم كلية هندسة كهرباء ودراساته العليا من الماجستير والدكتوارة في انجلترا جامعة سالفورت.
الشهيد محمود رفض المنزل الحكومي ورفض تذاكر السفر السنوية التي تمنح له بحكم المنصب وقال أنه سيأخذها عندما يأخذها بقية السودانين .
تحدث الشهيد محمود انه ترك لأبنائه الله ورسوله وكان متواضعا زاهدا ، احبه كل المتحرك بمدينة فرجوك التي لا يعكر صفوها إلا التدوين المستمر ، وفي ذات يوم قرر القائد ازالة مصدر التدوين بمنطقة فوقيه(بتخفيف القاف وتسكين الياء والهاء ) فتحركت قوة للتعامل مع المصدر مباشرة واستلم حينها قيادة المتحرك العميد عيساوي الذي طلب من الشهيد محمود عدم الخروج باعتباره رمز معنوي ، ما كان من الشهيد إلا الرفض وانه لم يأت ليرتكز واستاذن القائد بأدب أن يسمح له ، فسمح له .
اشتبكت القوات مع التمرد فازدادت مصادر نيران العدو ، لتلتف قواتنا بينما كان انتباه الشهيد متجه نحو البلدوزر ، لحمايته فوقف وحده يصد الهجوم وكانت في نية التمرد اسره، وكانوا يظنون انه خبير ايراني فعجزوا عن ذلك لمقاومته الشرسة فبينما هم كذلك اكتمل التفاف القوات المسلحة فاضطر المتمردون الى قتله برصاص في منطقة القلب لتصعد روحه الطاهرة إلى بارئها ، ليوارى الشهيد الثرى بفرجوك . تقبله الله شهيدا عنده فقد أدرك معنى الشهادة وسعى إليها.
لقد كان وقع استشهاد الدكتور محمود شريف عظيما علي نفسي باعتباره تحت قيادتي المباشرة كقيمة معنوية لا تعوض في هذا المتحرك .
تحركت كتيبة بعد استشهاد محمود شريف لإزالة كمين ( فوقيه) وهو عبارة ثلاثة خيران ، والكمين بالخور الوسط وجاء الامداد إلى التمرد من نمولي واستمر الاشتباك منذ ساعات الصباح الأولى إلى ما بعد العصر واحتسبت القوات المسلحة ثمانية شهيد من الضباط وعدد من ضباط الصف كأكبر خسارة في الضباط تتعرض لها المتحركات وقد أنتجت فرقة الصحوة البوم ( زمرا في الجنة زمرا) فقد كان عددا من الضباط الشهداء بالفرقة قبل أن يلتحقوا بالكلية الحربية .
توقف تقدم وعد المتقين عند الميل ١٥٠ ، بينما نمولي عند الميل ١٨٠ تقريبا .
شعر يوغندا بالخطر وبعض دول الجوار وتتم المؤامرة الكبرى على السودان وتبدأ عملية الأمطار الغزيرة، تلك العملية التي تكالب فيها الأعداء الدوليون على السودان ، لينسحب متحرك وعد المتقين ويرتكز عند الميل اربعين وتظهر كتائب الدبابين والتي يقودها الشهيد المقدم ادم ترايو مناوي ابن عم مني ( سليمان )اركو مناوي قائد حركة تحرير السودان. لقد بكى البشير عند استشهاد المقدم ادم ترايو وقال كنت اريد الاحتفاظ به لليوم الأسود وقد صدق حدسه وقد تمرد ابن عمه ، لقد كان القائد الروحي للدبابين الشهيد علي عبد الفتاح.
لقد قدم المشروع الإسلامي الشهداء ومن نافلة القول وكما قال الفرزدق:
أولئك شهدائي فجئني بمثلهم
اذا جمعتنا يا قحاتة المجامع