مصير حكومة الشركاء
كتب – زهير السراج
الجريدة
كتبت قبل عام مقالا تحت عنوان (الحقيقة الغائبة)، قلت فيه: أقول لكم بكل ثقة حديثا لن يصدقه معظمكم، وسيشكك في صحته الكثيرون، وستنهال على رأسي بسببه القنابل من كل الاتجاهات، كما ظل يحدث عندما اوجه كلمة نقد الى الحكومة أو الى قوى الحرية والتغيير، وأحمد الله أن النقد جاء أخيرا على لسان رئيس الحكومة نفسه الذي اعترف بأن حكومته وقوى الحرية والتغيير لا تملكان حتى الآن برنامج عمل للفترة الانتقالية لا على المستوى القصير او المتوسط او الطويل غير ما تحمله الوثيقة الدستورية من عموميات، وهو ما ظللت أوجه إليه النقد فيهاجمني البعض، ويطلب مني البعض التريث، رغم انه أمر لا يحتمل التريث ولا البطء، فلا بد أن يكون لأى حكومة قبل أن تعتلي سدة الحكم برنامج عمل واضح تعلنه للناس منذ اليوم الأول، وتهتدي به وتعمل على تطبيقه وتحقيق اهدافه، إلا إذا كانت الحكومة في حد ذاتها (هدفا) أو غاية ــ ذهب البشير وجاء حمدوك ــ وليس البرنامج والإنجاز وتحقيق الأهداف!!
�* أكرر أن الاسماء ليست مهمة بقدر اهمية البرنامج وتطابقه مع مطالب الجماهير والجدية وتعاون الجميع في تطبيقه. كما ان التعويل على جود شخص كفؤ ومؤهل في موقع القيادة وحكومة كفاءات فقط لإحداث التغيير المنشود، محض رومانسية لا مكان لها على ارض الواقع، ولن يقود الى نتيجة سوى الفشل. لا بد من وجود برنامج واضح وأهداف واضحة وارادة حقيقية لتحقيقها، وآليات للمراقبة والتصحيح!
�* بعد انتقادات (حمدوك) لقوى الحرية والتغيير، سارعتْ بالإعلان عن اكتمال البرنامج وتسليمه للحكومة في اسرع وقت، وقد يكون الحديث صحيحا، ولكنه ناقص فالبرنامج الذي تيسر لي الاطلاع عليه، مجرد حديث عمومي مكتوب بلغة جميلة وعبارات رومانسية حالمة أشبه بمواضيع الإنشاء أو ديباجات الدساتير، وهو منجور من الوثيقة الدستورية، وليس برنامجا بالمعنى المعروف لكلمة (برنامج) مبنيا على دراسة علمية ومعطيات حقيقية وجداول زمنية واهداف واضحة لتحقيقها، ولدى قناعة بانه لن يحقق شيئا، ونصيحتي لحمدوك وحكومته الاستعانة بخبراء حقيقيين، لوضع برنامج حقيقي، قابل للتنفيذ، حتى لو تأخر الوقت، والاستمرار في الوقت الحالي في تسيير الأعمال ومعالجة الأزمات التي يعانى منها الناس، مع الاعلان بشفافية عن ذلك ووضع الرأي العام في الصورة !!
كما أن ما يُسمى بقوى الحرية والتغيير مجرد جسم أو تكتل أو تحالف وهمى او توهمي، أو في أحسن الاحوال (اعلان سياسي)، ولكن ما جعله يبدو في نظر الناس والمراقبين داخل وخارج السودان جسما أو تكتلا أو تحالفاً حقيقياً له قيادة ولجان وعضوية واضحة ..إلخ هو الظهور الإعلامي الكثيف لأفراد موقعين على الاعلان السياسي تحت اسم (القيادي بقوى الحرية والتغيير) .. ليس إلا، بينما لا يوجد في الواقع تكتل أو تحالف حقيقي بهذا الاسم
!!�* كانت هنالك (لجنة تنسيقية) مكونة من ممثلين لبعض التنظيمات التي وقعت على الاعلان، تتولى التنسيق بين التنظيمات المختلفة في الاعلان للجماهير عن التظاهرات والمسيرات ..إلخ، ولكن لم يكن هنالك تحالف واضح يأخذ على عاتقه كل شيء، ولم تكن هنالك قيادة، وعندما اقترح البعض اختيار قيادة اعترض عليه البعض ومات في مهده، ثم لحقت به اللجنة التنسيقية، أما المجلس المركزي الذى تأتى سيرته كل حين، فهو ليس سوى مجموعة صغيرة من القيادات الموقعة على الاعلان تجتمع بتثاقل كل حين إذا لزم الأمر، ولكن ليس هنالك مجلس بلائحة وقيادة ولجان وبرنامج عمل، وهو السبب الحقيقي الذى يقف وراء الارتباك والتخبط وعدم وجود برنامج أو خطة حتى اليوم!!
لو لم تتداعَ القوى التي وقعت على قوى الحرية والتغيير، بما فيها التي اتخذت موقف المعارضة، لاجتماع أو (مؤتمر) عاجل لتكوين تكتل او تحالف تنظيمي واضح بكل تفاصيله من لائحة وقيادة ولجان ..إلخ ووضع برنامج عمل متفق عليه للفترة الانتقالية بمراحلها المختلفة، ومعالجة الاخطاء والسلبيات أولا بأول بروح الثورة وتضحياتها الممهورة بالدم وتطلعاتها، لانتهى كل شيء الى سراب وخراب .. ويكفى ما نعيشه الآن من تطاول الفلول وارتفاع اصواتهم، واستمرار سيطرتهم على البلاد! (انتهى المقال).
عندما كتبتُ هذا المقال قبل عام انهالت على الحجارة من كل الاتجاهات، وكيلت لي الاتهامات من كل الاصناف والانواع، ثم ثبتت صحة قولي، وللأسف لا تزال الحكومة بدون برنامج، بينما ذهبت الحرية والتغيير الى رحاب الله، وجاء الآن عهد الشركاء حلفاء العسكر، وأراهن أنهم لن يكونوا وعساكرهم أفضل من السابقين، إن لم يكونوا أكثر سوءا، ولن يحدث شيء سوى تبديل (أحمد) بـ(حاج أحمد) وكله سجم في رماد.. وكان الله في عون الشعب !