هآرتس الإسرائيلية: تراث الضم
بقلم : عميره هس
ترجمة: أطلس للدراسات الإسرائليلية
حقيقة أن شخص من اليمين الإسرائيلي قتل رئيس الحكومة لا تثبت أن اسحق رابين انفصل عن التراث والمؤسسة الإسرائيلية وسعى الى سلام حقيقي. بالعكس، في 5 تشرين الاول 1995، قبل شهر من قتله، عندما قدم للكنيست بكامل هيئتها تفاصيل الاتفاق المرحلي مع م.ت.ف، صاغ رابين أسس معينة سميت “الحل الدائم”. التشابه بين أسس الحل الدائم وبين واقع الجيوب الفلسطينية الآن والضم الفعلي لمعظم الضفة الغربية، ليس صدفيا:
1. كيان فلسطيني يكون أقل من دولة.
2. عدم العودة الى خطوط الرابع من حزيران.
3. القدس موحدة وتشمل معاليه ادوميم وجفعات زئيف كعاصمة لإسرائيل.
4. الحدود الامنية ستكون في غور الاردن.
5. سيتم ضم غوش عصيون وافرات وبيتار ومستوطنات اخرى توجد شرق الخط الاخضر.
6. اقامة كتل استيطانية في يهودا والسامرة، وليتها تكون مثل غوش قطيف.
7. الحل الدائم نراه في اطار اراضي دولة إسرائيل، الذي يشمل معظم اراضي ارض إسرائيل، كما كانت تحت حكم الانتداب البريطاني، والى جانبها كيان فلسطيني يشكل وطن لمعظم السكان الفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة وفي اراضي مناطق الضفة الغربية.
8. نحن نفضل دولة يهودية حتى لو لم تكن على كل اجزاء دولة إسرائيل، بدلا من دولة ثنائية القومية ستخلق اذا تم ضم 2.2 مليون فلسطيني الذين هم سكان غزة والضفة الغربية.
اذا كان الامر كذلك فلماذا يتخاصم الإسرائيليون الذين أيدوا في نهاية الثمانينيات التفاوض مع م.ت.ف واقامة دولة فلسطينية وطالبوا بتفكيك كل المستوطنات واعتقدوا أن هذه هي الطريق للسلام؟
رابين قال في نفس جلسة الكنيست تلك: “لم نتعهد بحجم اعادة الانتشار في كل مرحلة”. أي أن إسرائيل ستهتم بأن تكون الاراضي التي سيتم نقلها للسلطة التخطيطية الفلسطينية مع سيطرة على الارض، صغيرة بقدر الامكان”. وهذا ما حدث. وقال ايضا: “لقد تعهدنا امام الكنيست بعدم ازالة أي مستوطنة في اطار الاتفاق المرحلي. وكذلك عدم تجميد البناء والتكاثر الطبيعي”. ومن يستثمر الآن عشرات ملايين الدولارات في بناء الكتل الاستيطانية والبنى التحتية والشوارع ومبان ومؤسسات عامة، لا يفعل ذلك بهدف تفكيكها في الغد. إلا اذا قامت قوة سياسية – اقتصادية قوية تجبره على التوقف عن الاستهزاء بالقانون الدولي وخرقه.
هل قوة سياسية كهذه كان يمكن أن تتبلور في التسعينيات ضد التصميم الإسرائيلي على النهب والاستيطان؟ معظم المؤيدين الإسرائيليين للسلام ولحقوق الفلسطينيين لم يكلفوا انفسهم عناء الدخول الى التفاصيل. كان هناك من آمنوا بـ “الديناميكية الايجابية” للحدث عن السلام، وكان آخرون تجاهلوا المطالب الاساسية والمنطقة لـ م.ت.ف، وكان من تعاملوا مع المستوطنات كمشروع خاص ومؤقت لجماعة محددة وليس باعتباره الـ دي.ان.ايه لدولتهم.
م.ت.ف قيدت نفسها. والاتحاد الاوروبي حسن العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل وكأنها امتثلت لقرارات الامم المتحدة والقانون الدولي وانسحبت من المناطق المحتلة. وفي دول عربية مختلفة النخب استعدت لعلاقات اقتصادية جيدة مع إسرائيل. وهكذا شعر قطاع الاعمال الإسرائيلي بالرضى، الذي كان في حينه من بين الدافعين الى اتفاق مع الفلسطينيين، من اجل تمهيد الطريق امام المزيد من الاسواق والتكنولوجيا والصفقات الدولية. اذا كان بالامكان تحقيق هذا فقط عن طريق مفاوضات خالدة تدوم الى الأبد وبدون سلام فلم لا؟ وهكذا تم شق الطريق لعلاقات الدبلوماسية الكاملة مثلما هي الآن مع دول عربية.
وسواء آمن اليمين في حينه بأنه يمكن أن تقوم قوة كهذه أم لا تقوم، فانه استطاع أن يخلق قوة سياسية مضادة، كانت فاعلة في الشوارع وفي الدعاية وفي الترهيب، وفي خلق صلة مع اليمين الامريكي وعرض الاعتداءات الفلسطينية على أنها تهديد وجودي. رابين قال في تلك الجلسة بأنها ليست تهديدا وجوديا، بل عائقا امام تحقيق عملية السلام. بهذا، ومثل معظم الإسرائيليين، ألقى المسؤولية على الجهة الواقعة تحت الاحتلال والطرد. عملية الاغتيال كانت ذروة التحريض، كما أنها سرعت وزادت ديناميكية الجيوب التي أرست مباديء رابين من اجل الحل الدائم.